الباحث عن الحقيقة

الباحث عن الحقيقة سلمان الفارسي سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه من اليهود . ثم إنه كوتب فأعانه النبي ﷺ في كتابته . أسلم مقدم النبي ﷺ المدينة.

الباحث عن الحقيقة

سلمان الفارسي رضي الله عنه

يكنى أبا عبد الله . من أصبهان، من قـريـة يقـال لـهـا جي(هي مدينة من بلاد فارس قرب أصبهان وغير اسمها بعد ذلك فدعيت شهرستـان). وقيـل من رامهرمز (مدينة مشهورة قرب خوزستان) .

رحلة البحث لسلمان الفارسي
سافر يطلب الدين مع قوم فغدروا به فباعوه من اليهود . ثم إنه كوتب فأعانه النبي ﷺ في كتابته . أسلم مقدم النبي ﷺ المدينة. ومنعه الرق من شهود بدر وأحد، وأول غزاة غزاها مع النبي ﷺ الخندق، وشهد ما بعدها، وولاه عمر المدائن . أخرجه مسلم

وقد رويت بداية سلمان من حديث أبي الطفيل عامر بن واثلة وأنه قال : كنت من أهل جي، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ( التي في لونها سواد وبياض) فطلبت الدين ـ فذكر نحو ما ذكر وأنه قدم على رسول اللہ ﷺ مكة ـ والذي ذكر من لقائه له بالمدينة هو الصحيح

بداية حياة سلمان الفارسي

عن عبد الله بن العباس قال : حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلا فارسياً من أهل أصبهان، من أهل قرية يقال لها جي، وكان أبي دهقان ( هو زعيم الفلاحين عند العجم ) قريته . وكتب أحب خلق الله إليه ، فلم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية . واجتهدت في المجوسية حتى كنت قطّن أي القيم علي النار الذي يوقدها لا يتركها تخر ساعة .

قال : وكانت لأبي ضيعة عظيمة . قال : فشغل في بنيان له يوماً . 

قال لي : يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب فاطلعها، وأمرني فيهـا ببعض ما يريد : فخرجت أريد ضيعته فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته . فلما مررت بهم وسمعت أصواتهم دخلت عليه أنظر ما يصنعون .

 قال : فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه . فوالله ما تركتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعة أبي ولم آتها فقلت لهم : أين أصل هذا الدين؟ قالوا : بالشام؟ .

قال : ثم رجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله .

 فلما جئته قال : أي بني أين كنت ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قال قلت : يا أبي ، مررت بناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت دينهم، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس . 

قال : أي بني ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه .

 قلت : كلا والله إنه لخير من ديننا . قال : فخافني فجعل في رجلي قيداً ثم حبسني في بيته .

دخول سلمان الفارسي في دين النصاري

قال : وبعثت إلى النصارى فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام تجاراً من النصارى فأخبروني بهم .

 قال : فقدم عليهم ركب من الشام تجار من النصارى . قال : فأخبروني بقدوم تجار فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم

 قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم ألقيت الحـديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام فلما قدمتها قلت : من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا : الأسقف في الكنيسة . 

قال : فجئته فقلت : إني قد رغبت في هذا الدين وأحببت أن أكون معك أخدمك في كنيستك وأتعلم منك وأصلي معك . قال : فادخل فدخلت معها كتنزه .

قال : فكان رجل سوء، يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه منها شيئاً حبسها لنفسه ولم يعطه المساكين حتى جمع سبع قلال من ذهب . 

قال : وأبغضته بغضاً شديداً لما رأيته يصنع .
 قال : ثم مات . فاجتمعت إليه النصارى ليدفنـوه فقلت لهم: إن هذا كان رجل سوء يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئاً. 

قالوا : وما علمك بذلك قلت : أنا أدلكم على كنزه . قالوا : فذلنا عليه . قال : فأريتهم موضعه . 
قال : فاستخرجوا منه قلال مملوءة ذهباً وورقاً. قال: فلما رأوها قالوا : والله لا ندفنه أبداً.  فصلبوه ثم رجموه بالحجارة .

ثم جاؤوا برجل آخر فجعلوه مكانه فما رأيت رجلا يصلي الخمس أرى أنـه أفضل منه وأزهد في الدنيا  والأرغب في الآخرة  . 

قال فأحببته حباً لم أحبه من قبله فأقمت معه زماناً ثم حضرته الوفاة . 

قلت له : يا فلان : إني كنت معك فأحببتك حباً لم أحبه من قبلك وقد حضرتك الوفاة فإلى من توصي بي، وما تأمرني ؟ 

قال : أي بني والله ما أعلم أحداً اليوم على ما كنت عليه . لقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان، وهو على ما كنتُ عليه، فالحق به .

قال: فلما مات وغيب لحقت بصاحب الموصل فقلت له يا فلان إن فلاناً أوصاني عند موته أن ألحق بك وأخبرني أنك على أمره. قال، فقال لي : أقم عندي . 

قال : فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه فلم يلبث أن مات ، فلما حضرته الوفاة قلت له : يا فلان إن فلاناً أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى فإلى من توصي بي وما تأمرني ؟

 قال : أي بني والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به .

رحلة سلمان الفارسي إلي نصبين

قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فجئت فأخبرته بما جرى وما أمرني به صاحبي
 قال : فأقم عندي فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبيه . 

فأقمت مع خير رجل ، فوالله ما لبث أن نزل به الموت فلما حضر قلت له : يا فلان إن فلاناً كان أوصى بي إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي ، وما تأمرني ؟

 قال : أي بني والله ما أعلم أحداً بقي على أمرنا أمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمـوريـة فإنه على مثل ما نحن عليه فإن أحببت فائته فإنه على مثل أمرنا .

رحلة سلمان الفارسي إلي عمورية

قال : فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية وأخبرته خبـري فقال : أقم عندي . فأقمت عند رجل على هدي أصحابه وأمرهم . 

قال : وكنت اكتسبت حتى كانت لي بقرات وغنيمة ، قال : ثم أتي أمر الله عز وجل فلما حضر قلت له : يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إلى فلان، وأوصى بي فلان إليك فإلى من توصي بي وما تأمرني؟ 

قال : أي : بني والله ما أعلم أصبح على ما كنا عليه أحد من الناس أمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب مهاجراً إلى أرض بين حرتین(الأرض ذات الحجارة السوداء) بينهما نخل به علامات لا تخفى، يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة . فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل .

وقوع سلمان الفارسي في الرق

قال : ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجاراً فقلت لهم : تحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه؟ 

قالوا : نعم . فأعطيتهم إياهـا وحملوني حتى إذا قدمـوا بي وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل من يهود . فكنت عنده ورأيت النخل ورجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق لي في نفسي

فبينا أنا عنده قدم عليه ابن عم له من المدينة من بني قريظة فابتاعني منـه فاحتملني إلى المدينة فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي فأقمت بها، وبعث الله رسوله ﷺ فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق

ثم هاجر إلى المدينة فوالله إني لفي رأس عذق( النخلة) لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيدي جالس إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال : فلان ، قاتل الله بني قيلة( هما قبيلتا الأوس والخزرج، لقبوا بهذا الاسم نسبة إلى أم لهم تدعى قيلة بنت كاهل ) والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء على رجل قدم عليهم من مكة اليوم زعم أنه نبي .

قال: فلما سمعتها أخذتني الغرواء( الحمى ) حتى ظننت أني ساقط على سيـدي . 
قال : ونزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ماذا تقول؟ قال : فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة
 وقال : ما لك ولهذا ؟ أقبل على علمك . قال : قلت لا شيء، إنما أردت أن أستثبته عما قال ،

وقد كان شيء عندي قد جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول اللہ ﷺ وهو بقباء فدخلت عليه 

فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح معك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم .

 قال : فقربته إليه فقال رسول اللہ ﷺ لأصحابه : كلوا وأمسك يده هو فلم يأكل . قال : فقلت في نفسي : هذه واحدة .

ثم انصرفت عنه فجمعت شيئاً وتحول رسول اللہ ﷺ إلى المدينة ثم جئته به فقلت : إني رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها فأكل رسول اللہ ﷺ منها وأمر أصحابه فأكلوا . معه . قال : فقلت في نفسي : هاتان اثنتان .

قال : ثم جئت رسول اللہ ﷺ وهو ببقيع الغرقد ( هي مقبرة أهل المدينة ) ـ قد تبع جنازة من أصحابه علیه شملتان ـ وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت أنظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؟

 فلما رآني رسول اللہ ﷺ استدبرته عرف أني أستثبت في شيء ووصف لي .

 قال : فألقى رداءه عن ظهره فنظرت إلى الخاتم فعرفته فانكببت عليه أقبله وأبكي ،

فقال رسول اللہ ﷺ : تحول .
فتحولت فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا بن عباس فأعجب رسول اللہ ﷺ أن يسمع ذلك أصحابه .

ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله : بدر وأحد قال : ثم قال لي رسول اللہ ﷺ : كاتب یا سلمان 

فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير وبأربعين أوقية . فقال رسول اللہ ﷺ لأصحابه : أعينوا أخاكم . 

فأعانوني بالنخل : الرجل بثلاثين ودية( هي غصن يخرج من النخل فيقطع ثم يغرس )، والرجل بعشرين، والرجل بخمسة عشر، والرجل بعشرة يعين الرجل بقدر ما عنـده . 

حتى اجتمعت لي ثلثمائة ودية فقال لي رسول لاللہ ﷺ : اذهب یا سلمان ففقر لها( أي أحفر لها ) فإذا فرغت أكون أنا أضعها بيدي( أي إذا فرغت من الحفر لها فاغرسها ) أنا .

قال : ففقرتُ لها وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت منها جئته فأخبرته فخرج رسول اللہ ﷺ معي إليها فجعلنا نقرب له الودي ويضعـه رسول اللہ ﷺ بیـده . فوالذي نفس سلمان بيده مامات منها ودية واحدة . 

فأديت النخل فبقي علي المال فأتى رسول اللہ ﷺ بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن

 فقال : «ما فعل الفارسي المكاتب؟». قال : فدعيت له . 

قال: «فخذ هذه فأذ بها ما عليك يا سلمان» . قال : قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي؟ قال : « خذها فإن الله عز وجل سيؤدي بها عنك » .

 قال : فأخذتها فوزنت لهم منها ـ والذي نفس سلمان بيده ـ أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم وعتقت، فشهدت مع رسول اللہ ﷺ الخندق ثم لم يفتني معه مشهد  رواه الإمام أحمد

وفي الصحيح عن سلمان أنه قال تداولني بضعة عشر من رب إلى رب .

كتاب صفة الصفوة لابن الجوزي

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيرا
نشرف بتعليقاتكم
حقوق النشر © كلمات مضيئة جميع الحقوق محفوظة
x